فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصادقين}.
لما عرض موسى عليه السلام رسالته على فرعون وذكر الدليل على صدقه وهو مجيئه بالبينة والخارق المعجز استدعى فرعون منه خرق العادة الدالّ على الصدق وهذا الاستدعاء يحتمل أن يكون على سبيل الاختبار وتحويزه ذلك ويحتمل أن يكون على سبيل التعجيز لما تقرّر في ذهن فرعون أن موسى لا يقدر على الإتيان ببينة والمعنى إن كنت جئت بآية من ربك فاحضرها عندي لتصحّ دعواك ويثبت صدقك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}.
{قَالَ} استئنافٌ وقع جوابًا عن سؤال ينساق إليه الكلامُ كأنه قيل: فماذا قال فرعونُ له عليه السلام حين قال له ما قال؟ فقيل: قال: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآية} أي من عند مَنْ أرسلك كما تدعيه {فَأْتِ بِهَا} أي فأحضِرْها حتى تُثبت بها رسالتَك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك، فإن كونَك من جملة المعروفين بالصدق يقتضي إظهارَ الآيةِ لا محالة. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}.
{قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فما قال فرعون؟ فقيل: قال: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ} من عند من أرسلك كما تدعيه {فَأْتِ بِهَا} أي فأحضرها عندي ليثبت بها صدقك في دعواك، فالمغايرة بين الشرط والجزاء مما لا غبار عليه، ولعل الأمر غني عن التزام ذلك لحصوله بما لا أظنه يخفي عليك {إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} في دعواك فإن كونك من جملة لمعروفين بالصدق يقتضي إظهار الآية لا محالة. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}.
وقول فرعون: {إن كنت جئت برية فأت بها} مُتعين لأن يكون معناه: إن كنت جئت بمعجزة، فإن أكثر موارد الآية في القرآن مراد فيه المعجزة، وأكثر موارد البينة مراد فيه الحجة، فالمراد بالبينة في قول موسى {قد جئتكم ببينة من ربكم} الحجة على إثبات الإلهية وعلى حقية ما جاء به من إرشاد لقومه، فكان فرعون غير مقتنع ببرهان العقل أو قاصرًا عن النظر فيه فانتقل إلى طلب خارق العادة، فالمعنى: إن كنت جئتنا متمكنًا من إظهار المعجزات، لأن فرعون قال ذلك قبل أن يظهر موسى عليه السلام معجزته، فالباء في قوله: {بآية} للمعية التقديرية، أي: متمكنًا من آية، أو الباء للملابسة، والملابسة معناها واسع، أي: لك تمكين من إظهار آية.
وقوله: {فأت بها} استعمل الإتيان في الإظهار مجازًا مرسلًا، فالباء في قوله: {بها} لتعدية فعل الإتيان، وبذلك يتضح ارتباط الجزاء بالشرط، لأن الإتيان بالآية المذكورة في الجزاء هو غير المجيء بالآية المذكورة في الشرط، أي: إن كنت جئت متمكنًا من إظهار الآية فأظهر هذه الآية. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106)}.
وهكذا يواجه فرعون موسى سائلًا إياه أن يُظهر الآية إن كان من الصادقين، إذن ففرعون يعتقد أن لله آيات تثبت صدق الرسول بدليل أنه قال له: هاتها إن كنت من الصادقين.
ويكشف موسى عليه السلام الآية: {فألقى عَصَاهُ فَإِذاَ هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ...}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله: {قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.
من المعلوم أن مجرَّد الدعوى لا حجة فيه، ولكن إذا ظهر برهانٌ لم يبق غيرُ الانقياد لِمَا هو الحق، فَمَنْ استسلم....، ومَنْ جَحَدَ الحقائق بعد لوح البيان سقط سقوطًا لا ينتعش. اهـ.

.تفسير الآيات (107- 108):

قوله تعالى: {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما ساق هذا الطلب مساقًا دالًا على أنه شاك في أمره، أخبر تعالى أنه فاجأه بإظهار الآية دالًا على ذلك بالفاء المسببة المعقبة من غير مهلة فقال عن فعل موسى عليه السلام: {فألقى عصاه} وعن فعله هو سبحانه: {فإذا هي} أي العصا {ثعبان مبين} أي ظاهر في كبره وسرعة حركته بحيث إنه لشدة ظهوره كأنه ينادي الناس فيظهر لهم أمره، وهو موضح لصدق من تسبب عن فعله في جميع مقالته؛ روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان ثعبانًا أشعر فاغرًا فاه، بين لحييه ثمانون ذراعًا، وضع لحيه الأسفل في الأرض ولحيه الأعلى على سور القصر ثم توجه نحو فرعون فوثب من سريره هاربًا وأحدث، وحمل على الناس فانهزموا وصاحوا فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا، قتل بعضهم بعضًا، وصاح فرعون: يا موسى خذه وأنا أومن بك فأخذه فعاد عصًا.
ثم قال: هل معك آية أخرى؟ قال: نعم {ونزع يده} أي أخرجها من جيبه بعد أن أراه إياها محترقة أدمًا كما كانت وهو عنده {فإذا هي بيضاء} ونبه على ثبات بياضها وزيادة إعجابه بقوله: {للناظرين} قال أبو حيان: أي للنظارة، وفي ذكر ذلك تنبيه على عظم بياضها لأنه لا يعرض العجب لهم إلا إذا كان بياضها خارجًا عن العادة، وقال ابن عباس: صارت نورًا ساطعًا يضيء ما بين السماء والأرض، له لمعان مثل لمعان البرق فخروا على وجوههم، وما أعجب أمر هذين الخارقين العظيمين: أحدهما في نفسه وذلك اليد البيضاء، والآخر في غير نفسه وهى العصا التي يمسكها بيده، وجمع بذينك تبديل الذوات من الخشبية إلى الحيوانية، وتبديل الأعراض من السمرة إلى البياض الساطع، فكانا دالين على جواز الأمرين- انتهى. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108)}.
اعلم أن فرعون لما طالب موسى عليه السلام بإقامة البينة على صحة نبوته بين الله تعالى أن معجزته كانت قلب العصا ثعبانًا، وإظهار اليد البيضاء، والكلام في هذه الآية يقع على وجوه: الأول: أن جماعة الطبيعيين ينكرون إمكان انقلاب العصا ثعبانًا.
وقالوا: الدليل على امتناعه أن تجويز انقلاب العصا ثعبانًا يوجب ارتفاع الوثوق عن العلوم الضرورية وذلك باطل، وما يفضي إلى الباطل فهو باطل.
إنما قلنا: إن تجويزه يوجب ارتفاع الوثوق على العلوم الضرورية، وذلك لأنا لو جوزنا أن يتولد الثعبان العظيم من العصا الصغيرة لجوزنا أيضًا أن يتولد الإنسان الشاب القوي عن التبنة الواحدة والحية الواحدة من الشعير، ولو جوز ذلك لجوزناه في هذا الإنسان الذي نشاهده الآن أنه إنما حدث الآن دفعة واحدة لا من الأبوين، ولجوزنا في زيد الذي نشاهده الآن أنه ليس هو زيد الذي شاهدناه بالأمس، بل هو شخص آخر حدث الآن دفعة واحدة، ومعلوم أن من فتح على نفسه أبواب هذه التجويزات فإن جمهور العقلاء يحكمون عليه بالخبل والعته والجنون، ولأن لو جوزنا ذلك لجوزنا أن يقال: إن الجبال انقلبت ذهبًا ومياه البحار انقلبت دمًا، ولجوزنا في التراب الذي كان في مزبلة البيت أنه انقلب دقيقًا، وفي الدقيق الذي كان في البيت أنه نقلب ترابًا وتجويز أمثال هذه الأشياء مما يبطل العلوم الضرورية ويوجب دخول الإنسان في السفسطة، وذلك باطل قطعًا فما يفضي إليه كان أيضًا باطلًا.
فإن قال قائل: تجويز أمثال هذه الأشياء مختص بزمان دعوة الأنبياء، وهذا لزمان ليس كذلك فقد حصل الأمان في هذا الزمان عن تجويز هذه الأحوال.
فالجواب عنه من وجوه: الأول: أن هذا التجويز إذا كان قائمًا في الجملة كان تخصيص هذا التجويز بزمان دون زمان مما لا يعرف إلا بدليل غامض فكان يلزم أن يكون الجاهل بذلك الدليل الغامض جاهلًا باختصاص ذلك التجويز بذلك الزمان المعين فكان يلزم من جمهور العقلاء الذين لا يعرفون ذلك الدليل الغامض أن يجوزوا كل ما ذكرناه من الجهات وأن لا يكونوا قاطعين بامتناع وقوعها، وحيث نراهم قاطعين بامتناع وقوعها علمنا أن ما ذكرتموه فاسد.
والثاني: أنا لو جوزنا أمثال هذه الأحوال في زمان دعوة النبوة فإنه يبطل أيضًا به القول بصحة النبوة، فإنه إذا جاز أن تنقلب العصا ثعبانًا، جاز في الشخص الذي شاهدناه أنه ليس هو الشخص الأول، بل الله أعدم الشخص الأول دفعة واحدة، وأوجد شخصًا آخر يساويه في جميع الصفات.
وعلى هذا التقدير فلا يمكننا أن نعلم أن هذا الذي نراه الآن هو الذي رأيناه بالأمس وحينئذ يلزم وقوع الشك في الذين رأوا موسى وعيسى ومحمدًا عليهم السلام أن ذلك الشخص هل هو الذي رأوه بالأمس أم لا؟ ومعلوم أن تجويزه يوجب القدح في النبوة والرسالة.
والثالث: وهو أن هذا الزمان وإن لم لكن زمان جواز المعجزات إلا أنه زمان جواز الكرامات عندكم فيلزمكم تجويزه، فهذا جملة الكلام في هذا المقام.
واعلم أن القول بتجويز انقلاب العادات عن مجاريها صعب مشكل، والعقلاء اضطربوا فيه وحصل لأهل العلم فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول من يجوز ذلك على الإطلاق وهو قول أصحابنا، وذلك لأنهم جوزوا تولد الإنسان وسائر أنواع الحيوان والنبات دفعة واحدة من غير سابقة مادة ولا مدة ولا أصل ولا تربية وجوزوا في الجوهر الفرد أن يكون حيًا عالمًا قادرًا عاقلًا قاهرًا من غير حصول بنية ولا مزاج ولا رطوبة ولا تركيب، وجوزوا في الأعمى الذي يكون بالأندلس أن يبصر في ظلمة الليل البقعة التي تكون بأقصى المشرق، مع أن الإنسان الذي يكون سليم البصر لا يرى الشمس الطالعة في ضياء النهار، فهذا هو قول أصحابنا.
والقول الثاني: قول الفلاسفة الطبيعيين وهو أن ذلك ممتنع على الإطلاق، وزعموا أنه لا يجوز حدوث هذه الأشياء ودخولها في الوجود إلا على هذا الوجه المخصوص والطريق المعين.
وقالوا: وبهذا الطريق دفعنا عن أنفسنا التزام الجهالات التي ذكرناها والمحالات التي شرحناها، واعلم أنهم وإن زعموا أن ذلك غير لازم لهم، إلا أنهم في الحقيقة يلزمهم ذلك لزومًا لا دافع له، وتقريره أن هذه الحوادث التي تحدث في عالمنا هذا إما أن تحدث لا لمؤثر أو لمؤثر، وعلى التقديرين: فالقول الذي ذكرناه لازم أما على القول بأنها تحدث لا عن مؤثر، فهذا القول باطل في صريح العقل، إلا أن مع تجويزه فالإلزام المذكور لازم لأنا إذا جوزنا حدوث الأشياء لا عن مؤثر ولا عن موجد، فكيف يكون الأمان من تجويز حدوث إنسان لا عن الأبوين، ومن تجويز انقلاب الجبل ذهبًا والبحر دمًا؟ فإن تجويز حدوث بعض الأشياء لا عن مؤثر ليس أبعد عند العقل من تجويز حدوث سائر الأشياء لا عن مؤثر، فثبت على هذا التقدير أن الإلزام المذكور لازم.
أما على التقدير الثاني وهو إثبات مؤثر ومدبر لهذا العالم فذلك المؤثر إما أن يكون موجبًا بالذات وأما أن يكون فاعلًا بالاختيار.
أما على التقدير الأول فالإلزامات المذكورة لازمة، وتقريره: أنه إذا كان مؤثرًا ومرجحه موجبًا بالذات وجب الجزم بأن اختصاص كل وقت معين بالحادث المعين الذي حدث فيه إنما كان لأجل أنه بحسب اختلاف الأشكال الفلكية تختلف حوادث هذا العالم إذ لو لم يعتبر هذا المعنى لامتنع أن تكون العلة القديمة الدائمة سببًا لحدوث المعلول الحادث المتغير.